مقالات رأي

كاتب سويدي: كيف ستكون السويد في 2026 .. السويد لم تعد تشبه نفسها.

تستمر المقالات الصحفية في عدد من وسائل الإعلام اليمينية في السويد، إلى جانب منابر خارجية وصحف مقربة من اليمين المتطرف، وكلها تدور حول سؤال واحد يتكرر: كيف ستبدو السويد بعد انتخابات 2026؟ هذا التيار الإعلامي يقدّم صورة متوترة للمشهد السياسي، ويصوّر البلاد وكأنها أمام خيارين متناقضين:
إما تفويض كامل للأحزاب اليمينية والمتشددة لتغيير شكل المجتمع و”إعادته للسويديين”،
أو استمرار النهج الذي كان سائداً لسنوات طويلة تحت سياسات اليسار والليبراليين التي تدفع باتجاه “السويد للجميع” في إطار مجتمع متعدد الثقافات.




غير أن الملاحظ في بعض هذه المقالات هو أنها لا تكتفي بانتقاد السياسات أو تحليل الواقع، بل تعتمد خطاباً شديد الحدة يقترب كثيراً من لغة اليمين المتطرف، ويستخدم عبارات توحي بأن المهاجرين يشكلون عبئًا دائماً أو تهديدًا لبنية المجتمع.
ورغم أن هذا الخطاب يدّعي أنه يصف “الواقع”، إلا أنه يتجاهل أن أغلب المهاجرين مندمجون في المجتمع، وأنّهم يعملون في قطاعات أساسية مثل الرعاية الصحية، والنقل، والخدمات العامة، ويسهمون في استمرار الخدمات التي يعتمد عليها المجتمع السويدي نفسه. كما يتجاهل أن الحوادث الفردية التي يجري تضخيمها لا تعكس الصورة الحقيقية لتنوّع المهاجرين وخبراتهم وأدوارهم اليومية.




إحدى المقالات المثيرة للجدل كتبها صاحب رأي محسوب على اليمين المحافظ، قدّم فيها رؤية شديدة السواد للسويد، مستخدمًا لغة أقرب إلى التحذير من اختفاء قيم ومظاهر المجتمع السويدي. يقول الكاتب إن البلاد تغيّرت لدرجة أن “السويدي أصبح يشعر بالغربة داخل وطنه”، ويصف مدناً كاملة بأنها تبدلت، وأن التعدد اللغوي في الشوارع دليل على “تآكل الهوية”.

يقدّم الكاتب رؤيته وكأنها شهادة على  تغير مجتمعي كامل، ويتحدث بنبرة مباشرة متشنجة دون تقديم سياق أو معطيات متوازنة.
يقول إن المدن السويدية الكبرى لم تعد تشبه نفسها، وإن اللغات المتعددة في الشارع علامة على فقدان الانسجام، ويعتبر ذلك “زلزالًا مجتمعيًا” يلتهم ما هو سويدي. ويلقي بالمسؤولية على الحكومات السابقة، خصوصًا اليسارية، متهمًا إياها بأنها دفعت السويد إلى “تجربة غير محسوبة” في سياسات التنوع والهجرة المفتوحة، وأنها تجاهلت التحذيرات التي تحدثت عن ضعف الانتماء وارتفاع الجريمة.




ويمتد نقد الكاتب إلى ملف الجريمة، حيث يصوره على أنه انعكاس مباشر لسياسات الهجرة.
يشير إلى عمليات إطلاق النار المتكررة وشبكات الجريمة المنظمة، ويزعم أن السويد أصبحت تواجه نمطًا من العنف “غير مسبوق”. كما يذهب إلى الادعاء بأن الدولة باتت غير قادرة على السيطرة على بعض الأحياء في محاولة لتضخيم الصورة لبعض الحوادث المرتبطة بالجريمة المنظمة، من دون أن يعترف بأن عوامل اجتماعية واقتصادية وتعليمية معقّدة تقف وراء هذا الواقع، وأن ربط الجريمة بالمهاجرين فقط يعد تبسيطًا شديدًا للمشهد.




ولا يتوقف المقال عند هذا الحد، بل ينتقل للمدرسة السويدية، ويصفها بأنها فقدت قدرتها على تعليم اللغة السويدية بشكل طبيعي في بعض المناطق بسبب تعدد الخلفيات اللغوية للطلاب.
ومع أن التحديات التعليمية حقيقية في بعض المدارس، إلا أن الكاتب يتجاهل أن السويد لا زالت رائدة في التعليم وفي تميز مدارسها الناجحة بالاحتلاط الثقافي، وأن ابناء المهاجرين في مقدمة الطلاب المتفوقين والذين يحتلون النسبة الأكبر في بعض الكليات المهمة مثل كليات طب الأسنان والصيدلة، وأن أبناء المهاجرين يشكلون جزءًا مهمًا من الكوادر الحالية المستقبلية في السويد.




وفي محور الرعاية الصحية والخدمات، يقدم الكاتب صورة قاتمة أخرى: طوابير طويلة، ضغط متزايد على العيادات، وبلديات منهكة. لكنه يربط ذلك بشكل مباشر بقدوم المهاجرين، متغافلًا عن أن نسبة كبيرة من موظفي المستشفيات ودور الرعاية والمراكز الصحية هم مهاجرون، وأن نقص الكوادر كان سيتفاقم بشكل خطير لولا وجودهم.




ومع اقترابه من خاتمة مقاله، يتبنى الكاتب نبرة أكثر حدّة، ويزعم أن المهاجرين أصبحوا “كتلة انتخابية” تستخدمها الأحزاب الليبرالية واليسارية. ويرى أن هذا التغيير الديموغرافي يمثل – في رأيه الشخصي – تهديدًا للنظام الديمقراطي السويدي.
وهنا يتضح الطابع السياسي الحاد للمقال، إذ يُحمِّل فئة كاملة من الناس مسؤولية أزمة سياسية معقدة، في خطاب يقترب من النموذج الكلاسيكي للتعميم السلبي.




ثم يرسم الكاتب مشهدًا سوداويًا لمستقبل السويد، يتحدث فيه عن صراع هوية، وضياع ثقافي، ودولة مُجهدة أمام ضغوط كبيرة.
ويختم بالقول إن انتخابات سبتمبر 2026 ستكون مفصلية:
إما طريق يعيده اليمين – بحسب وصفه – إلى “المسار الطبيعي”،
أو استمرار “التدهور” في حال عودة اليسار إلى الحكم.

وينهي عباراته بتحذير أقرب إلى الخطاب الشعبوي، مدعيًا أن السويد تقف “على حافة زمن جديد” قد يحدد ما إذا كانت ستبقى وطنًا لأبنائها أم “مجرد مساحة مفتوحة للجميع”.



ورغم أن هذا الطرح يعكس الهواجس التي تتردد داخل بعض الأوساط اليمينية، فإنه يبقى رؤية حادة لا تعبّر بدقة عن الواقع الكامل للتنوع في السويد. فمثل هذه المواقف تتجاهل مساهمة المهاجرين في دعم قطاعات أساسية واستمرار عجلة العمل في الدولة، كما تُغفل قصص النجاح اليومية التي لا تحظى بالاهتمام ذاته لأنها لا تخدم السردية التي يسعى أصحاب هذا الخطاب لترسيخها.

ومهما كانت هوية الحكومات القادمة، يميناً أو يساراً، تبقى السويد دولة يحكمها القانون ويضبط مسارها الدستور. قد تتشدد القوانين أو تخفف تبعاً للمرحلة السياسية، لكن الإطار الأساسي يظل قائماً على احترام الحريات، وصون الكرامة الإنسانية، والتمسك بالقيم التي جعلت من السويد مجتمعاً منفتحاً يتسع لتعدد الثقافات ويحافظ في الوقت نفسه على جوهر القيم المجتمعية للسويد.




مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى